ومن أبرز ذاتيات الإمام الرضا (ع) انقطاعه الى الله تعالى، وتمسّكه به، وقد ظهر ذلك في عبادته، التي مثلت جانبا كبيراً من حياته الروحية التي هي نور، وتقوى وورع، يقول إبراهيم بن عبّاس في حديث: «... كان(ع) قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها الى الصبح وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر...»(عيون أخبار الرضا(ع) : 2/198 ).
ويقول الشبراوي عن عبادته إنه: كان صاحب وضوء وصلاة، ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي، ويرقد ثم يقوم فيتوضأ، ويصلّي ويرقد هكذا الى الصباح(الإتحاف بحب الأشراف : 312.).
لقد كان الإمام (ع) أتقى أهل زمانه، وأكثرهم طاعة لله تعالى. لنقرأ ما يرويه رجاء بن أبي الضحّاك عن عبادة الإمام، إذ كان المأمون قد بعثه الى الإمام ليأتي به الى خراسان، فكان معه في المدينة المنورة الى مرو يقول :
والله ما رأيت رجلاً كان اتقى لله منه، ولا أكثر ذكراً له في جميع أوقاته ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ عنه وكان إذا أصبح صلّى الغداة فإذا سلّم جلس في مصلاه يسبح الله، ويحمده ويكبره، ويهلله، ويصلي على النبيّ(ص) حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم، ويعظهم الى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه، وعاد الى مصلاه، فإذا زالت الشمس قام فصلّى ست ركعات يقرأ في الركعة الأُولى الحمد، وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله، ويقرأ في الأربع كلّ ركعة الحمد لله، وقل هو الله أحد، ويسلّم في كل ركعتين ويقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذّن ويصلّي ركعتين ثم يقيم، ويصلي الظهر، فاذا سلّم سبّح الله وحمّده، وكبّره، وهلّله ما شاء الله، ثم سجد سجدة الشكر، يقول فيها مائة مرة شكراً لله، فإذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات، يقرأ في كلّ ركعة الحمد، وقل هو الله أحد، ويسلم في كل ركعتين، ويقنت في ثانية كلّ ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذن، ثم يصلي ركعتين ويقنت في الثانية، فإذا سلّم قام وصلى العصر، فإذا سلّم جلس في مصلاه يسبّح الله، ويحمّده، ويكبّره، ويهلّله ما شاء الله، ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة: حمداً لله، فإذا غابت الشمس، توضأ وصلّى المغرب ثلاثاً بأذان وإقامة، وقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبّح الله ويحمّده، ويكبّره، ويهلّله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر، ثم يرفع رأسه ولم يتكلم، حتى يقوم ويصلّي أربع ركعات بتسليمتين، ويقنت في كلّ ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، وكان يقرأ في الاُولى من هذه الأربع الحمد وقل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ويقرأ في الركعتين الباقيتين الحمد وقل هو الله، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله، ثم يفطر، ثم يلبث حتى يمضي من الليل قريب من الثلث، ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة أربع ركعات، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة فإذا سلّم جلس في مصلاه يذكر الله عزّ وجلّ ويسبّحه ويحمّده ويكبّره ويهلّله ما شاء الله، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي الى فراشه .
فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار، فاستاك ]استعمل السّواك[ ثم توضّأ ثم قام الى صلاة الليل، فيصلّي ثمان ركعات ويسلّم في كل ركعتين، يقرأ في الأولين منها في كلّ ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة.
ثمّ يصلّي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات يسلّم في كلّ ركعتين، ويقنت في كلّ ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح، ويحتسب بها من صلاة الليل، ثم يقوم فيصلي الركعتين الباقيتين، يقرأ في الاُولى الحمد وسورة الملك، وفي الثانية الحمد لله وهل أتى على الإنسان، ثم يقوم فيصلّي ركعتي الشفع، يقرأ في كلّ ركعة منهما الحمدلله مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلم قام فصلّى ركعة الوتر يتوجه فيها ويقرأ فيها الحمد مرة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل اعوذ برب الفلق مرة واحدة، وقل اعوذ برب الناس مرة واحدة، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة، ويقول في قنوته :
«اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، اللهمّ إهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك انّه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربّنا وتعاليت ...».
ثم يقول : «استغفر الله وأسأله التوبة» سبعين مرة، فإذا سلّم جلس في التعقيب ما شاء الله، فإذا قرب الفجر قام فصلّى ركعتي الفجر يقرأ في الاُولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، فإذا طلع الفجر أذّن وأقام وصلّى الغداة ركعتين، فإذا سلّم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار ...(عيون أخبار الرضا(ع): 1/194 ـ 195 ).
لقد سرى حب الله في قلب الإمام، وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتى صار من خصوصيات شخصيّته.
نظرات